أعادت الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة بين الجزائر وباريس العلاقات بين البلدين إلى دائرة التوتر، وسط تبادل قرارات طرد دبلوماسيين وتصعيد في الخطاب السياسي، ما يعكس، بحسب خبراء، وجود أزمة أعمق من مجرد خلاف عابر.
وفي هذا السياق، قالت الباحثة الفرنسية في العلوم السياسية خديجة محسن-فنان، في تصريح لوكالة الأناضول، إن قرار الجزائر طرد 12 دبلوماسياً من البعثة القنصلية الفرنسية يعكس بوضوح تفاقم أزمة الثقة بين البلدين، وعودة الخطاب المتشنج الذي لطالما طبع العلاقات الثنائية منذ الاستقلال.
وأشارت فنان إلى أن هذه الخطوة جاءت رداً مباشراً على اعتقال السلطات الفرنسية لموظف قنصلي جزائري، على خلفية اتهامات تتعلق بقضية اختطاف المعارض المعروف بـ"أمير DZ"، في حادث أثار ردود فعل غاضبة داخل الجزائر، واعتُبر انتهاكاً صريحاً للأعراف الدبلوماسية.
وتابعت الباحثة بأن الجزائر لم تكتفِ بطرد الدبلوماسيين، بل قامت كذلك باستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر، في خطوة تصعيدية تعكس حساسية المرحلة. في المقابل، أعلنت باريس نيتها طرد 12 دبلوماسياً جزائرياً، في إطار مبدأ المعاملة بالمثل، وهو ما زاد المشهد تعقيداً.
وترى فنان أن جذور الأزمة تتجاوز الظرفية الراهنة، مشددة على أن الإرث الاستعماري الثقيل لا يزال يُلقي بظلاله على العلاقات الثنائية، لا سيما في ملفات حساسة كـحرية التنقل، والذاكرة التاريخية، والتعامل الدبلوماسي.
وأضافت: "بينما تسعى الجزائر إلى إبقاء ملف الاستعمار حياً ضمن سرديتها الوطنية، تميل فرنسا إلى تجاهل هذا الماضي المؤلم، ما يعمّق فجوة الفهم والتقدير المتبادل."
كما لفتت الباحثة إلى أن هذا التوتر لم يأت من فراغ، بل سبقه احتقان دبلوماسي في يوليو 2024، حين عبّرت فرنسا عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي في إقليم الصحراء، ما دفع الجزائر حينها إلى سحب سفيرها من باريس احتجاجاً.
وانتقدت فنان كذلك ما وصفته بـ"التصريحات المستفزة" الصادرة عن بعض المسؤولين الفرنسيين، والذين لا يزالون – بحسب تعبيرها – يخاطبون الجزائر بعقلية استعمارية متعالية، معتبرة أن هذا النهج يعمّق الفجوة ويُغذي انعدام الثقة بين الجانبين.
واختتمت بالقول إن الأزمة الحالية قد تكون في جوهرها انعكاساً لصراع داخلي فرنسي بين توجه دبلوماسي يسعى لتهدئة الأوضاع، وخطاب أمني متشدد يعيد العلاقات إلى مربّع التوتر والانغلاق.
من جانبها، هاجمت الجزائر بشدة وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو، متهمة إياه بالمسؤولية عن توقيف الموظف القنصلي الجزائري، مؤكدة في بيان رسمي أنها سترد بحزم على أي مساس بسيادتها، معتبرة طرد الدبلوماسيين الفرنسيين رداً مشروعاً على الاعتقال "التشهيري" وغير المقبول.
وفي تطور لافت، أعلنت الرئاسة الفرنسية، يوم الثلاثاء، استدعاء سفيرها في الجزائر، ستيفان روماتي، للتشاور، بالتزامن مع قرارها إبعاد 12 دبلوماسياً جزائرياً من التراب الفرنسي.
وتأتي هذه الانتكاسة بعد أيام فقط من إعلان باريس والجزائر استئناف التعاون الثنائي، في 6 أبريل الجاري، إثر زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، والتي كانت الأولى منذ قطيعة استمرت لأكثر من ثمانية أشهر، وُصفت بأنها الأخطر في تاريخ العلاقات الثنائية منذ عقود.