نظّمت سفارة جمهورية الصين الشعبية في نواكشوط، صباح اليوم، حفلاً مهيبًا بمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والصين، وسط حضور رسمي رفيع يُجسّد متانة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين الصديقين.
وقد حضر الحفل عدد من أعضاء الحكومة الموريتانية، من ضمنهم وزير الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، ووزير التحول الرقمي وعصرنة الإدارة، ووزير الدفاع الوطني، ووزير الصحة، إلى جانب مفوضة الأمن الغذائي، ورئيسة جهة نواكشوط، مما يعكس الاهتمام الكبير الذي توليه موريتانيا لعلاقاتها المتجذرة مع جمهورية الصين الشعبية.
وفي كلمته بالمناسبة، استعرض سعادة السفير الصيني في نواكشوط، السيد تانغ جونغ دونغ،
محطات بارزة من مسيرة العلاقات الثنائية، مشيدًا بما شهدته من تطور مطّرد على مدى العقود الستة الماضية، ومؤكدًا أن العلاقات الموريتانية الصينية تمثل نموذجًا للتعاون القائم على الاحترام المتبادل والمنفعة المشتركة.
وأوضح السفير أن هذه العلاقات التي أرساها بحكمة وبُعد نظر الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، تواصل نموها وازدهارها بفضل الرؤية المتبصرة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذي يولي أهمية خاصة لتعزيز الشراكات الدولية الفاعلة، وعلى رأسها التعاون مع الصين.
وأكد أن السنوات الأخيرة شهدت انفتاحًا واسعًا في مجالات التعاون بين البلدين، خاصة في قطاعات البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والطاقة، والزراعة، والرقمنة، منوهًا بدور الصين كشريك تنموي أساسي لموريتانيا.
واختتم السفير حديثه بتأكيد استعداد بلاده لمواصلة دعم جهود التنمية في موريتانيا، ومضاعفة فرص التعاون الاقتصادي والتقني، بما يخدم تطلعات الشعبين ويعزز الروابط الأخوية بين البلدين.
ويُذكر أن العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الموريتانية وجمهورية الصين الشعبية قد تأسست رسميًا يوم 19 يوليو 1965، لتكون موريتانيا من أوائل الدول الإفريقية التي بادرت إلى إقامة علاقات متينة مع بكين، في خطوة جسدت آنذاك رؤية الرئيس المؤسس المختار ولد داداه، الذي أدرك باكرًا أهمية بناء شراكة استراتيجية مع الصين الصاعدة.
ومنذ ذلك الحين، ظلت العلاقات بين البلدين قائمة على أسس من الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والتعاون المثمر في شتى المجالات. وقد أثمرت هذه الشراكة عن عشرات المشاريع التنموية الكبرى التي ساهمت في دفع عجلة النمو في موريتانيا، من ضمنها تشييد بنى تحتية استراتيجية كميناء نواكشوط المستقل "ميناء الصداقة"، والمستشفى الوطني لأمراض القلب، وشبكات الطرق والجسور، فضلًا عن التعاون المثمر في مجالات الزراعة والطاقة والتعليم والصحة والموارد البشرية.
كما كانت الصين من أوائل الشركاء الدوليين الذين وقفوا إلى جانب موريتانيا في فترات التحديات، وقدمت دعمًا سخيًا خلال الأزمات الصحية، أبرزها جائحة "كوفيد-19"، حيث ساهمت في تعزيز قدرة النظام الصحي الوطني من خلال التبرعات المباشرة والمساعدات التقنية والطبية.
واليوم، وبعد ستة عقود من الشراكة المتواصلة، تدخل العلاقات الموريتانية الصينية مرحلة جديدة من النضج والانفتاح، تُوجت بتطابق الرؤى بين قيادتي البلدين، خاصة في ظل ما يوليه فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني من اهتمام بتوسيع آفاق التعاون مع الصين، انسجامًا مع تطلعات موريتانيا لبناء اقتصاد متنوع ومستدام، وشراكات دولية قائمة على الثقة والإنصاف.
وتحظى موريتانيا بمكانة خاصة في السياسة الخارجية الصينية، باعتبارها شريكًا موثوقًا وصوتًا وازنًا في منطقة الساحل وفي العالم العربي والإفريقي. وقد أكدت الصين مرارًا التزامها بدعم استقرار موريتانيا وتنميتها، مشيدة بدورها الفاعل في تعزيز الأمن الإقليمي ودفع مسارات التكامل الإفريقي والعربي. كما ترى بكين في نواكشوط نقطة ارتكاز مهمة في مبادرة "الحزام والطريق"، وممرًا استراتيجيًا يربط إفريقيا الغربية بالأسواق الآسيوية والطاقات الصينية المتجددة.
وفي هذا الإطار، فتحت موريتانيا شواطئها أمام الشركات الصينية الراغبة في الاستثمار في قطاع الصيد والاقتصاد البحري، الذي يمثل أحد أهم روافد الاقتصاد الوطني، مما أسهم في تعزيز التعاون في هذا المجال الحيوي، ووفّر فرصًا لتبادل الخبرات وزيادة القيمة المضافة للثروة البحرية الموريتانية. وتعتبر الاتفاقيات المبرمة بين البلدين في هذا المجال تجسيدًا للرؤية التنموية المشتركة، وسعيًا حثيثًا للاستفادة المثلى من الإمكانات الطبيعية والفرص الاستثمارية المتاحة.
وتنعكس هذه الأهمية في حرص القيادة الصينية على الحفاظ على زخم التعاون مع موريتانيا، من خلال الزيارات المتبادلة رفيعة المستوى، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الاستراتيجية، وزيادة حجم الاستثمارات والمساعدات الفنية والمالية الموجهة لمشاريع التنمية.
ويأتي كل ذلك تأكيدًا على أن العلاقة بين موريتانيا والصين لم تعد مجرد علاقة صداقة تقليدية، بل تحولت إلى نموذج يحتذى في الشراكة المتوازنة بين الشمال والجنوب، أساسها الثقة والاحترام والرغبة المشتركة في تحقيق التنمية المستدامة وبناء مستقبل أكثر ازدهارًا للشعبين الصديقين.